الأفعال الفاضحة
- مقدمة
- الخطوة الأولى: مقابلة الضحية وجمع البيانات الأولية عن القضية
- الخطوة الثانية: تدخل المحامي بتمثيل الضحية
- الخطوة الثالثة: مسائل إجرائية في هذا النوع من القضايا
- الخطوة الرابعة: مراحل استئناف قرار المحكمة
يهدف هذا المقال لمساعدة المحامين المدافعين عن حقوق المرأة في التعرف على أفضل الطرق التي يمكن اتباعها للدفاع عن حقوق المرأة، وعلى وجه الخصوص الانتهاكات التي يمكن أن تتعرض لها بسبب التدخل في حريتها الشخصية، خصوصاً في ارتداء الزي الذي تراه مناسباً لها. والسبب في ذلك هو أن المشرع، وقبل تعديل المادة ١٥٢ من القانون الجنائي لسنة ١٩٩١، وضع معيار الدين الذي يعتنقه الشخص كأساس لتحديد نوع الزي الذي يجب أن يرتديه ولم يتغير الحال كثيراً، من حيث التشريع بعد التعديل. فعلى الرغم من حذف "الزي الفاضح" من المادة، وكذا الحال الدين كمعيار لتحديد الفعل المخالف للآداب إلا أن الغموض لا زال يكتنف المادة ١٥٢ المُعدلة والتي جرمت الفعل ذو الطبيعة الجنسية أو الإشارات ذات المعاني الجنسية، والتي يمكن أن يكون الزي من ضمنها، وهي أفعال يصعب ضبطها بدقة، لا سيما وأن الركن المعنوي للجريمة هو مضايقة الشعور العام أو الحياء العام وهي مسألة من العسير ضبطها.
وعلى الرغم من أن النص يشمل الرجال والنساء، إلا أن النساء وحدهن من عانين، ولا زلن، منه. لذا، ينشد المقال لتعريف المحامي بالإجراءات التي يجب اتباعها في حال تعرضت امرأة للقبض بسبب مخالفة المادة، وذلك في كافة مراحل المحاكمة ابتداءً من لحظة القبض والتحري وانتهاء بالمحكمة الدستورية، على المستوى الوطني.
مقدمة
أورد القانون الجنائي نصاً فضفاضاً أسماه "الأفعال الفاضحة" يحمل بين طياته توصيفاً مبهماً مثّل لوقت طويل، وما زال، معضلة قانونية حقيقية، وأدى لإنتهاكات سافرة لحقوق الإنسان. وقد وقع على المرأة القدر الأكبر من هذه الإنتهاكات لكونها الأكثر إستهدافاً من قبل رجال الشرطة في مسألة "الزي الفاضح".
نصت المادة ١٥٢ من القانون الجنائي لسنة ١٩٩١ على ما أسمته الأعمال الفاضحة، حدد البند الأول من المادة الركنين المادي والمعنوي لجريمة الأفعال الفاضحة والمخلة بالآداب العامة، أولهما السلوك الفاضح والمخل بالآداب العامة، وثانيهما التزيي بزي فاضح ومخل بالآداب العامة. فمن خلال قراءة نص المادة يتضح جلياً أنها تتعارض مع الدستور وتخالف المبادئ المتعارف في الصياغة التشريعية للقوانين العقابية، والتي تقتضي أن يكون النص واضحاً ودقيقاً بحيث لا يحتمل تأويلاً. فالمشرع، في محاولته لوضع المجتمع في قالب ثقافي محدد، أسند تحديد الأفعال المخلة بالآداب العامة إلى جهة دينية معينة، وعرف البلد. ويتضح هذا التوجه من خلال المعيارين اللذين وضعهما المشرع في البند الثاني من المادة ١٥٢ لتحديد ماهية الفعل أو الزي الفاضح، وهما معيارا الدين وعرف البلد، وبعد التعديل حُذف المعياريين، وحل مكانهما مضايقة الشعور العام والحياء العام، إلا أن جهة تنفيذ القانون تكونت لديها عقيدة راسخة وقالب محدد للأعمال الفاضحة، ومن بينها الزي، وفقاً لدين واحد هو الإسلام ومذهب واحد ضمن عديد المذاهب الإسلامية وهو المذهب السني.
الخطوة الأولى: مقابلة الضحية وجمع البيانات الأولية عن القضية
جريمة الأفعال الفاضحة على الرغم مما لها من أثر سلبي على النساء، وعلى الرغم مما تمثله من تدخل سافر في شؤونهن الخاصة، إلا أن القانون، وبحسن الحظ، يعتبرها من القضايا التي يمكن الإفراج فيها عن الضحية بالضمان العادي استناداً على نص المادة ١٠٥ من قانون الإجراءات الجنائية لسنة ١٩٩١ حيث يكون الإفراج بالضمان عن المقبوض عليه ب:
(أ) بتعهد المقبوض عليه شخصياً بالحضور مع ضمانة مالية مقدرة أو بدونها،
(ب) بكفالة شخص آخر يلتزم بإحضار المقبوض عليه مع ضمانة مالية مقدرة،
(ج) بالإيداع مع التعهد أو الكفالة.
وغالباً ما تلجأ النيابة للإفراج بكفالة شخص آخر. وأول ما يجب على المحامي العمل عليه هو إجراءات الإفراج بالضمان والتي غالباً ما تتم بسلاسة. جدير بالذكر أن المحامي غير معني بإيجاد الضامن فهي مسؤولية الضحية، إلا أن الأمر متروك لتقديراته الشخصية. وفي سبيل ذلك، على المحامي مقابلة الضحية، والتي غالباً ما تتم دون إذن من النيابة، في الحراسة لأخذ البيانات الأولية المتعلقة بالقضية وملابسات القبض عليها وأسماء وعناوين الشهود الذين حضروا لحظة القبض. في حال رفض الشرطة السماح للمحامي بمقابلة الضحية، يمكنه أخد الإذن من النيابة.
على المحامي كذلك أن يتحرى عن أي حالات تحرش بالضحية لأن الممارسة العملية أثبتت أن أفراد الشرطة كثيراً ما يتحرشون بالضحايا في مثل هذا النوع من القضايا.
الخطوة الثانية: تدخل المحامي بتمثيل الضحية
لا يحتاج المحامي لتوكيل خاص من المتهم ليتمكن من الظهور نيابة عنه أمام المحكمة لأن المحامي يتمتع بالوكالة العامة التي تخوله الظهور مباشرة. وبرأينا أنه يلزم المحامي أن ينهض بدوره في التصدي لمقاومة خرق الإجراءات مستنداً على هذه الأسانيد وما يدعمها من نصوص أخرى في الوثيقة الدستورية أو المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وذلك كي لا يترك للمحكمة الحبل على الغارب لتسير في القضية بلا شهود أو بالمخالفة للإجراءات القانونية السليمة.
وعلى المحامي أن يطلب من المحكمة السير في إجراءات القضية بالطريق غير الإيجازي وأن يتقدم بشهود من الأشخاص ذوي المعرفة بعادات السودانيين وتقاليدهم والتي لا تفرض شكلا معيناً للزي وإنما تعكس التنوع في السودان. وهذه الشهادة مهمة جداً لكونها سقد تغير مجرى القضية كلياً.
ولا سبيل لإدانة شخص بموجب هذا النص الفضفاض إلا بالخروج من سطور القانون وقراءة ما وراءها، وهنا يكمن التعارض بين القانون والدستور. ولو قُيِّضَ للمشرع أن يفرض زيّاً محدداً على النساء كذلك المفروض عليهن في المدارس وبعض الجامعات، لكان النص صائباً من ناحية الصياغة التشريعية للنصوص الجنائية، لتبدأ بعد ذلك رحلة البحث عن الحقوق الدستورية لمن يتعارض الزيّ المفروض مع دينهم وعرفهم أو اختياراتهم الشخصية.
هناك جانب آخر مهم وهو حق الشخص في اختيار اللباس الذي يناسبه أو يناسب ذوقه دونما وصاية من أحد. وهذا ما يدخل في باب الحريات الشخصية التي نصت عليها الوثيقة الدستورية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها السودان. وهذا يقودنا للحديث بصورة مباشرة عن عدم دستورية المادة ١٥٢ من القانون الجنائي لسنة ١٩٩١. وهذا الأمر من الأهمية بمكان لكونه يعتبر من قبيل التقاضي الاستراتيجي الذي يفيد منه عموم أفراد المجتمع في تم إعلان عدم دستورية هذه المادة لكونها تتعارض مع الكثير من المبادئ الدستورية.
الخطوة الثالثة: مسائل إجرائية في هذا النوع من القضايا
السبيل الإجرائي للمطالبة بتطبيق نصوص الدستور بواسطة المحاكم العادية يتثمل في الرأي القوي الذي يذهب إلى أن المحاكم العادية، أي بخلاف المحكمة الدستورية، ملزمة بتطبيق نصوص الدستور، من بعض الجوانب، وأن الأمر ليس حكراً على المحكمة الدستورية. وفي حالة تقديم التماس بهذا المعنى لأي محكمة بخلاف المحكمة الدستورية فيلزم توضيح أن هذا الالتماس لا يطالب المحكمة بالقيام بوظيفة المحكمة الدستورية ومن ثم إعلان عدم دستورية المادة ١٥٢ من القانون الجنائي، بل يناشد المحكمة بعدم تطبيق أي نص قانوني يتعارض مع نصوص الوثيقة الدستورية عموماً ووثيقة الحقوق على وجه الخصوص. والهادي في هذا الرأي الذي ذهبنا إليه هو نص المادة ٦/٢ من قانون تفسير القوانين لسنة ١٩٧٤ والتي تنص على: "إذا تعارض أي نص في أي قانون مع أي حكم من أحكام الدستور، تسود أحكام الدستور بالقدر الذي يزيل ذلك التعارض" كما تنص الفقرة 3 من ذات المادة على أن (تسود أحكام القانون اللاحق على القانون السابق بالقدر الذي يزيل التعارض بينهما. وبالتالي يتضح أن المعني بتطبيق هذه النصوص هي المحاكم العادية بخلاف المحكمة الدستورية، لأن الأخيرة، بحكم وظيفتها التي حددتها الوثيقة الدستورية وقانونها الخاص، لا تتقيد بأي قانون آخر متى تعارض هذا القانون مع الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها السودان. بمعنى آخر، فإن المشرع عندما وضع نص المادة السادسة من قانون تفسير القوانين لسنة ١٩٧٤، قصد أن يتم تطبيقها بواسطة المحاكم العادية.
كما أن الوثيقة الدستورية نفسها قد نصت في المادة ٦٧ منها على أنه لا يجوز الانتقاص من الحقوق والحريات المنصوص عليها في الوثيقة، وأن تصون المحكمة الدستورية والمحاكم المختصة الأخرى هذه الوثيقة وتحميها وتطبقها، وتراقب مفوضية حقوق الإنسان تطبيقها. وببسيط العبارة فإننا نرى أن المحاكم الأدنى ملزمة بتطبيق نصوص الدستور متى تعارضت نصوص القانون مع الدستور. ويدعم رأينا هنا ما قضت المحكمة العليا في سابقة حكومة السودان //ضد// م. ر. م. مجلة الأحكام لقضائية لسنة ٢٠٠٧ صفـــــ١٤١ـــــــحة، التي جاء فيها أن" الدستور يعلو على القانون ويتعين إتباعه، بوجوب تطبيق نص المادة ١٥٦ من الدستور الانتقالي لسنة ٢٠٠٥، وأن نصوص الدستور تعلو على القانون".
عموماً يمكن تلخيص هذه النقاط في أن قضية الزي، عبارة عن مسألة شخصية لا يجب أن تتدخل الدولة بأجهزتها الشرطية والعدلية في تحديدها، كما لا يحق لأحد أن يفرض دينه على آخر، فالحريات الدينية والشخصية، على حدٍ سواء، مصونة بموجب الوثيقة الدستورية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
الخطوة الرابعة: مراحل استئناف قرار المحكمة
إذا صدر قرار محكمة أول درجة بإدانة المتهمة والحكم عليها بالجلد، فيجب تقديم طلب فوري بوقف إجراء تنفيذ الجلد إلى حين انقضاء مراحل الاستئناف طبقاً لأحكام المادة ١٩٠ من قانون الإجراءات الجنائية لسنة ١٩٩١. ومن ثم يجب استئناف القرار لمحكمة الاستئناف خلال خمسة عشر يوماً طبقاً لأحكام المادة ١٨٤ من قانون الإجراءات الجنائية لسنة ١٩٩١. وإذا تأيد القرار فيجب استئنافه للمحكمة العليا خلال ذات المدة، ثم الي دائرة المراجعة بالمحكمة العليا خلال ستين يومًا وفقاً لما نصت عليه المادة ١٨٨/٣ من قانون الإجراءات الجنائية. تجدر الإشارة الي إمكانية أن للمحكمة القومية العليا أو محكمة الاستئناف، من تلقاء نفسها أو بناء على التماس، أن تطلب وتفحص محضر أي دعوى جنائية صدر فيها تدبير قضائي أمام أي محكمة في دائرة اختصاصها، وذلك بغرض التأكد من سلامة الإجراءات وتحقيق العدالة، وذلك بغرض التأكد من سلامة الإجراءات وتحقيق العدالة وأن تأمر بما تراه مناسباً. مما يعني إمكانية تقديم طلب الفحص بواسطة المحامي بعد فوات المدة المنصوص عليها في المادة ١٨٤، إلا أن سلطة قبول الطلب شكلاً في هذه الحالة تقديرية، بخلاف الاستئناف.
وأخيراً يقدم طعن دستوري للمحكمة الدستورية يقوم على سبب رئيسي وهو إعلان عدم الدستورية ومن ثم بطلان كافة إجراءات المحاكمة مع إعلان براءة المتهمة.