جريمة الزنا في القانون الجنائي السوداني لسنة ١٩٩١

يناقش هذا المقال موضوع جريمة الزنا في السودان، والتي تستند أساسًا على الشريعة الإسلامية، وبالتالي فهي تتضمن بالضرورة تمييزًا ضد غير المسلمين بسبب فرض تعاليم الإسلام عليهم دون رضاهم. كما تتضمن تمييزًا ضد المسلمين الذين لديهم وجهة نظر مختلفة من حيث فهم وتفسير نصوص الإسلام، وبالتالي فإن مسألة تطبيق فهم محدد للشريعة الإسلامية وفرضها يعتبر شكلاً من أشكال التمييز ضدهم. وفي كلتا الحالتين، فإن تطبيق أحكام جرائم الجنس في القانون الجنائي لعام ١٩٩١ هو انتهاك جسيم لمبادئ العدالة المنصوص عليها في دساتير السودان المتعاقبة ومواثيق حقوق الإنسان التي صادق عليها السودان. وسنتناول بالشرح هذه الانتهاكات في هذ المقال.

يهدف المقال أيضًا إلى مساعدة المحاميين على دحض العقوبات الجسدية الشديدة مثل عقوبة الجلد في مكان عام وعقوبة الرجم بالحجارة والتي ينص عليهما القانون الجنائي كعقوبات للزنا. ويوضح المقال كذلك الدفوع الموضوعية التي يمكن للمحامين الاعتماد عليها أثناء دفاعهم عن الضحايا.

مقدمة

لم يجرم القانون العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج حتى عام ١٩٨٣، حين صدر القانون الجنائي الأول في السودان عام ١٨٩٩، والذي وضعه المستعمر، ثم صدر قانونان آخران عامي ١٩٢٥ و١٩٧٤ على التوالي، ولم يتم تجريم العلاقات الجنسية خارج نطاق الزواج بموجب هذين القانونين إلا في حالتين: الأولى هي حالة الإكراه، والثانية إذا ارتكبت من قبل الزوجة أثناء الزواج. وفي الحالة الأخيرة يبدأ الشريك الآخر الدعوى وتستمر بناءً على إرادة الشريك، ولم تكن الدولة أبدًا طرفًا في مثل هذه القضية الجنائية في أي مرحلة من مراحلها؛ فلكل مجتمع في السودان طريقته الخاصة التي يعالج بها المشاكل التي تحدث بسبب العلاقات الجنسية خارج الأطر المجتمعية المتعارف عليها، ولا تزال هذه المجتمعات تستخدم نفس أدواتها المجتمعية في معالجة أي مشكلة تنشأ بسبب العلاقة الجنسية طالما كانت هذه المشكلة بعيدة عن الدولة وأجهزتها القضائية التي لا تعترف بخصوصية هذه المجتمعات أو وسائلها لحل المشكلة. وقد ظلت المجتمعات السودانية مستقرة لفترة طويلة من الزمن، سواء بالتسامح أو التصالح في مثل هذه العلاقة، أو برفضها وبالتالي معالجة تداعيات حدوثها داخل المجتمع المعين. وظل هذا هو الحال حتى عام ١٩٨٣، عندما أعلن الرئيس السابق جعفر محمد النميري تطبيق الشريعة الإسلامية، وعملت لجنة مكونة من ثلاثة أشخاص فقط على صياغة قوانين الشريعة الإسلامية، والتي أصبحت فيما بعد تعرف باسم قوانين سبتمبر.

لم تُصغ هذه القوانين بالشكل المناسب ولم تراع ما أسسه المجتمع السوداني اجتماعيًا واقتصاديًا لفترة طويلة من الزمن؛ لذا، فقد شكل تنفيذ هذه القوانين صدمة كبيرة في المجتمع السوداني بسبب العقوبات الشديدة التي أقرها ونفذها مثل: الإعدام، والجلد، والبتر، والبتر من خلاف، وغيرها من العقوبات التي تم تطبيقها على الشعب السوداني بطريقة لم يعهدها من قبل. وبموجب قانون العقوبات السوداني طبقت محاكم "العدالة الناجزة" عقوبة جريمة (الشروع في الزنا) على عدد كبير من الأشخاص بطريقة مشوهة ومروعة؛ وقد أطلق هذا القانون العنان لقضاة المحاكم الجزائية من خلال نص المادة (٤٥٨)، لتطبيق أي عقوبة، حتى لو لم ينص عليها القانون في حالة عدم ثبوت الزنا. واستمر هذا القانون حتى عام ١٩٩١، عندما أصدر المشرع القانون الجنائي، والذي لا يزال ساري المفعول.

جريمة الزنا في القانون:

حاول المشرع في هذا القانون معالجة الأخطاء التي حدثت في قانون عقوبات السودان لسنة ١٩٨٣، غير أنه لم يختلف كثيراً عن سابقه، إذ أنه يجعل كذلك من الدولة خصماً في الدعوى الجنائية التي تقام بسبب ارتكاب ممارسة الزنا؛ كما استحدث مواد غامضة في صياغتها وتعتمد معايير مبهمة في تحديد وقوع الجريمة من عدمه، ومثال ذلك المادتان ١٥١ (الأعمال الفاحشة) و١٥٢ (الأعمال الفاضحة). استحدث القانون كذلك مادة مخالفة لكل المبادئ الدستورية والقانونية التي استقرت حديثاً لكونها تعاقب على جريمة يُتَوقّع حدوثها، حيث تنص المادة ١٥٤ على أن يعد مرتكباً جريمة ممارسة الدعارة، من يوجد في محل للدعارة بحيث يحتمل أن يقوم بممارسة أفعال جنسية أو يتكسب من ممارستها، ويعاقب بالجلد بما لا يجاوز مائة جلدة أو بالسجن مدة لا تجاوز ثلاث سنوات. ولتعريف محل الدعارة نصت الفقرة الثانية من المادة على أنه: (يقصد بمحل الدعارة، أي مكان معد لاجتماع رجال أو نساء أو رجال ونساء لا تقوم بينهم علاقات زوجية أو صلات قربى وفى ظروف يرجح فيها حدوث ممارسات جنسية). بمعنى أن من يبلّغ عن محل الدعارة، شرطياً كان أم محتسباً، يقدر الظروف التي يترجح فيها حدوث الممارسات الجنسية، ثم يخضع الأمر بعد ذلك للقاضي الذي يقدر، أيضاً، ما إذا كانت الوقائع التي عرضت أمامه يُرجح فيها حدوث ممارسات جنسية أم لا. ثم يُعاقَب المتهمون على جريمة يترجح وقوعها فقط.

وقد أصبحت المواد المنصوص عليها في الباب الخامس عشر من القانون (جرائم العرض والآداب والسمعة) بما في ذلك المادة ١٤٥ موضوع هذا المقال، سبباً لاستباحة حرمات الناس وانتهاك خصوصياتهم والتعريض بسمعتهم وشرفهم بدعوى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.

ولم ينص القانون على إجراءات خاصة للاتهام، بل يضع الجدول الثاني الملحق بقانون الإجراءات الجنائية لسنة ١٩٩١ جريمة الزنا في قائمة جرائم الحق العام والتي يجوز فيها القبض بواسطة الشرطة بدون أمر قبض، مما يجعل من الدولة طرفاً في النزاع الذي يعرض على المحكمة، بحيث تمثل النيابة العامة الاتهام ويكون طرفا الممارسة الجنسية المجرَّمة في موقع الدفاع كمتهمَيْن. وهذا الأمر فتح الباب واسعاً أمام الشرطة والنيابة لملاحقة الناس بطريقة تهدم التماسك الاجتماعي في المجتمع نظراً لخطورة الاتهام بجريمة الزنا والذي لا يقتصر في الغالب على الشخص المقبوض عليه بل يتعدى أثرُه أسرتَه ومجتمعَه الذي يعيش، فيه في بعض المجتمعات. وبسبب هذا القصور التشريعي أصبحت الشرطة تمارس واجبها في منع جريمة الزنا بذات الطريقة والأساليب الشرطية التي تحارب بها بقية الجرائم، بل أصبحت في كثير من الأحوال تتسور المنازل وتداهم المكاتب للقبض على أشخاص يشتبه في أنهم يمارسون الزنا.

الخطوة الأولى: مقابلة الضحية وجمع البيانات الأولية

إن ما يسمى بجريمة الزنا هي جريمة ذات حساسية عالية في المجتمع؛ كما أن القبض على الضحايا بواسطة الشرطة وإرسالهم إلى محكمة النظام العام له آثار سلبية للغاية على الضحايا وعائلاتهم؛ لذلك، يجب على المحامي توخي الحذر وإعطاء الأولوية للسرية والحفاظ على خصوصية الضحايا وعائلاتهم، ومحاولة إعطاء الأولوية لرغبة الضحايا ومعرفة ما إذا كانوا يريدون إخبار أفراد أسرهم بالقضية أم لا.

وعندما يلتقي المحامي بالضحية، عليه أن أخذ البيانات الأولية كالاسم والعنوان وتاريخ القبض وكل الوقائع المتعلقة به وأي معلومات أخرى حول القضية. ثم على المحامي أن يمنح الضحية وقتًا كافيًا للحديث عن وقائع القضية وظروف القبض لأنه من المهم جدًا معرفة ما إذا كان المتهم قد تعرض للتعذيب، التهديد أو المضايقة من قبل الشرطة، ويجب على المحامي الإبلاغ عن أي مخالفة قامت بها الشرطة.

الخطوة الثانية: التدخل كممثل للضحية:

على المحامي، الذي يمثل نيابة عن المتهمين أمام المحكمة الابتدائية، إن يستخدم كافة المهارات القانونية والتقنية لدحض قضية الزنا الجنائية. وعليه توظيف المرافعات الشفوية والحجج المكتوبة لتحقيق هذا الهدف، ويمكن أن يستشهد ببعض السوابق القضائية السودانية الحديثة التي تدعم موقفه القانوني. على سبيل المثال، يمكن الاستفادة من سابقة قضائية تمت مناقشتها في المحكمة العليا، وهي قضية حكومة السودان بالرقم م ع/٢٣/٢٠٠٨/ إعدام، المنشورة في مجلة الأحكام القضائية لعام ٢٠٠٨. ووقائع القضية أن رجلًا اسمه (أ. م. ك) قد مارس الجنس مع امرأة متزوجة اسمها (ف. أ. ج) دون موافقتها، ولما نتج عن هذه الممارسة حمل أخبرت المرأة عائلتها بما حدث. وتم فتح دعوى الجنائية ترتب عليها أن أصدرت المحكمة الابتدائية حكمها ضد (ف. أ. ج) بموجب المادة ١٤٥ من القانون، وحكمت عليها بالرجم (الرجم حتى الموت)؛ بينما أدين المتهم الثاني بموجب المادة ١٥١ وكانت العقوبة الجلد أربعين جلدة والغرامة أربعمائة جنيه، وفي حالة عدم الدفع الحبس مدة ستة أشهر، بالإضافة لغرامة ستمائة جنيه لمخالفة المادة ١٨٣ من قانون العقوبات، وفي حالة عدم الدفع الحبس لمدة سنة على أن تسري العقوبات بالتتابع. عندما تم استئناف الحكم أمام محكمة استئناف غرب كردفان، أيدت محكمة الاستئناف إدانة وعقوبة المدعى عليها (ف. أ. ج) وألغت إدانة وعقوبة المتهم الثاني (أ. م. ك) وطلبت الإفراج عنه فوراً، وتم تقديم الأوراق إلى المحكمة العليا لغرض المصادقة.

وبعد جدل فقهي طويل خلصت المحكمة العليا (دائرة المراجعة) إلى أن:

١. من المهم التحقق من كيفية حدوث الحمل لأن الحمل قد يحدث دون إيلاج، والإيلاج شرط لإثبات جريمة الزنا.

٢. كقاعدة مطلقة، الحمل هو افتراض زنا لامرأة غير متزوجة، وفق أحكام قانون العقوبات، وليس قرينة للزنا ضد المرأة المتزوجة.

٣. إذا تم منع الحد في جريمة الزنا بشبهة الإكراه أو أي شيء من هذا القبيل، فلا يجوز فرض عقوبة تعزير (تأديبية) لأنه لا يوجد نص في القانون الجنائي لفرض التعطيل. عقوبة الزور إذا لم يثبت الزنا.

ثم أمرت المحكمة العليا (دائرة المراجعة) بإلغاء الإدانة والعقوبة وإطلاق سراح المتهمة على الفور. ومع ذلك، لم يصدر هذا الحكم بالإجماع من قبل قضاة الدائرة، حيث كان هناك رأي مختلف يعتقد أن منع (الحدود) بسبب الاشتباه لا يستلزم تبرئة، كما قد يكون هناك شك، سواء بفعل أو بينة. وافق قضاة الدائرة الخمس على إلغاء الإدانة بموجب المادة ١٤٦ من قانون العقوبات، لكنهم اختلفوا حول ما إذا كان سيتم تحويل التهم تلقائيًا إلى المادة ١٥١ من قانون العقوبات أم لا؟ وانتهى الجدل إلى عدم التحويل إلى المادة ١٥١ استناداً على أنه: لا يوجد نص تشريعي يبرر إصدار عقوبة التعزير عندما تقع جريمة الزنا. ووفقاً لنص المادة ٨ من القانون الجنائي لا تقع مسؤولية على الأشخاص غير العقلاء الذين يتصرفون طواعية، وبالتالي فإن الشخص الذي يجبر على الفعل لا يعتبر مخالف للقانون، ولا تطبق عليه عقوبة سواء كانت عقوبة حدية أو تعزيرية.

الخطوة الثالثة: الإجراءات القانونية الواجب اتباعها في هذا النوع من القضايا:

من المؤكد أن لكل محام طريقته الخاصة في الدفاع عن موكليه، لكننا نوصي بإثارة النقاط التالية كواحدة من استراتيجيات الدفاع الفعالة:

١. تميز نصوص جرائم الشرف والسمعة ضد غير المسلمين وحتى المسلمين أنفسهم لأن المشرع تبنى فهمًا معينًا للدين وحاول فرضه على الآخرين.

٢. الطعن في عدم دستورية الأساليب المتبعة في إثبات جريمة الزنا لأنها تميز بشكل خطير ضد المرأة وتلف حبال الجريمة حول رقبتها، مع السماح للرجل بالإفلات من العقوبة بسهولة. وقد حدد المشرع أربع طرق لإثبات جريمة الزنا، وهي: الاعتراف، وشهادة أربعة شهود عدل، والحمل بدون شك، وامتناع الزوجة عن القسم بأنها بريئة إذا حلف زوجها. طريقتا الاعتراف وشهادة أربعة شهود عادة تنطبق على كل من الرجال والنساء، ولكن الحمل وامتناع الزوجة عن القسم بأنها بريئة إذا أقسم زوجها ينطبق على النساء فقط. وبالتالي، يشكل القانون تمييزًا على أساس النوع، وهو ما يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان.

تجدر الإشارة لنص المادة ٢ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: لكل فرد الحق في جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع لا سيما التمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي وضع آخر، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الملكية، أو النسب، أو أي وضع آخر، دون أي تمييز بين الرجل والمرأة.

إن عقوبتي الجلد والرجم هما عقوبتان قاسيتان ولا إنسانيتان وخطيرتان للغاية لأن الجلد، إضافة لألمه الجسدي، مهين لكرامة الإنسان، أما عقوبة الرجم حتى الموت فهي أشد قسوة، وهاتان العقوبتان تشكلان انتهاكاً واضحاً لمبادئ الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها السودان.

 

الخطوة الرابعة: استئناف القرارات التي تؤثر على مصالح الضحية:

إذا كانت المحكمة الابتدائية قد أصدرت حكماً يمس مصالح المتهمين، فعلى المحامي أن يستأنف هذا القرار أمام محكمة الاستئناف خلال ١٥ يوماً من تاريخ القرار وفقاً للمادة ١٨٤ من قانون الإجراءات الجنائية لسنة ١٩٩١. أما إذا أيدت محكمة الاستئناف قرار المحكمة الابتدائية فيجب استئناف قرارها أمام المحكمة العليا؛ وإذا حدث نفس الشيء في المحكمة العليا فيجب تقديم الاستئناف إلى دائرة المراجعة بالمحكمة العليا.

أخيرًا، بعد استنفاد جميع مراحل التقاضي، يجب على المحامي رفع دعوى دستورية أمام المحكمة الدستورية يطالب فيها المحكمة بإعلان عدم دستورية المادتين ١٤٥ و١٤٦ من القانون الجنائي لعام ١٩٩١ بناءً على الأسباب المذكورة أعلاه.