التمييز بين المسلمين وغير المسلمين في تعاطي وبيع الكحول

يهدف هذا المقال لشرح التعديلات الأخيرة للقانون الجنائي لسنة 1991م وتوضيح الآثار التي تترتب على هذه التعديلات في حق العاملين في بيع الكحول، وخصوصاً النساء، وما قد يترتب على عملهن من مسئوليات قانونية. أيضاً يوضح المقال الخطأ الذي وقع فيه المشرع عندما جعل الدين أساساً للتجريم والتمييز بين المواطنين. من ناحية ثانية يهدف المقال لمساعدة المحامين في مناهضة التشريعات القائمة على أساس التمييز الديني ومعرفة الطرق القانونية السليمة لمواجهتها وإلغائها.

مقدمة

بتاريخ ١١ يوليو ٢٠٢٠ أجاز مجلس السيادة ومجلس الوزراء تعديلات على عدد من مواد القانون الجنائي لسنة 1991م، من بينها نص المادتين 78 و 79 من القانون الجنائي، لسنة ١٩٩١ قبل التعديل المذكور. إلا أن هذه التعديلات حصرت تجريم التعامل في الخمر بالبيع أو الشراء أو الحيازة أو التصنيع على المسلمين فقط. من ناحية ثانية جرمت المادة المعدلة تعامل غير المسلم مع المسلم في الخمر. وهذا الأمر يثير عدد من المشكلات من بينها إجبار الشخص على إظهار دينه، وهو الأمر الذي يعتبر مخالفاً لقواعد حقوق الإنسان. كما لا يمكن عملياً لبائعي الخمور من غير المسلمين التحقق مما إذا كان الشخص مسلماً أم لا، وهو ما يعرضهم لخطر التجريم دون أن علم.

عموماً نحن لا نؤيد تجريم الخمر مطلقاً بإعتبار أن هذا الأمر يعتبر من قبيل الحرية الشخصية، ولكن أن يتم تجريمه على أساس ديني بحت فهو أمر غير مقبول لأنه سيحدث شرخاً كبيراً في مجال حقوق الإنسان وحق المواطنة.

التحليل القانوني

في تعديل المادتين 78 و 79 من القانون الجنائي تم تجريم التعامل في الخمر بالبيع والشراء والصنع بالنسبة للشخص المسلم، كما جرّمت المادة المعدلة تعامل غير المسلم مع المسلم بالبيع والشراء. فهذا التعديل ينطوي على تمييز على أساس الدين ولا يعترف بالمساواة على أساس المواطنة كمبدأ للتعامل بين المواطنين في الدولة. ومن ناحية أخرى يرتب عدد من المشكلات العملية التي تترتب على تطبيق نص المادة، ومنها:

 ١. عند تقديم الشخص للمحاكمة تحت طائلة جريمة التعامل في الخمر فلا سبيل للتحقق من براءته أو إدانته إلا بالتحقق من ديانته، وهذا الإجراء مخالف لحرية المعتقد ويمثل إنتهاكاً صارخاً للحرية الشخصية بسبب إجبار الشخص على إظهار معتقده وإستخدام هذا المعتقد كبينة لتجريمه. فالقرار الذي إعتمده مجلس حقوق الإنسان (22 / 20 حرية الدين أو المعتقد)، ينص صراحة على أن تكفل الدول عدم حجب أي وثائق رسمية عن أي فرد على أساس الدين أو المعتقد، وأن تضمن لكل شخص الحق في الإمتناع عن الإفصاح كرهاً عن معلومات تتعلق بانتمائه الديني في تلك الوثائق.

فإمتناع الشخص المعتقل بتهمة شرب الكحول عن إظهار دينه، قد يفسح المجال للشرطي والقاضي لإعتماد الشكل أو المظهر الخارجي للمتهم كمعيار لتحديد دينه، وبالتالي قد يمهد لموجة جديدة من العنصرية والتمييز بين المواطنين في السودان، إذ أن المظهر الخارجي للشخص كان يُستخدم كأداة لمعرفة دينه. وقد سبب هذا التصرف إنتهاكات جسيمة للحريات الدينية وحقوق الإنسان في السودان لفترة طويلة من الزمن.

من ناحية ثانية لا تستطيع المحكمة إلزام المتهم بإبراز مستند الرقم الوطني لمعرفة ديانته، لأن المتهم لا يجبر على تقديم دليل ضد نفسه طبقاً لقانون الإثبات لسنة 1994 والوثيقة الدستورية وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 14منه. أما إذا لجأت المحكمة من تلقاء نفسها للسجل المدني للإطلاع على المستندات التي تثبت دين المتهم، فإنها تكون قد خالفت نص قرار مجلس حقوق الإنسان الذي حظر ذكر الدين في المستند، ناهيك عن الاطلاع عليه بواسطة جهة أخرى.

 ٢. إن بائع أو بائعة الخمور لا يمكنه/ا التمييز بين المسلم وغير المسلم لأن الديانة غير مدونة ببطاقة الهوية، وبالتالي قد يجد الشخص نفسه مرتكباً لجريمة التعامل في الخمر دون قصد، ما ذكرناه في الفقرة أعلاه ينطبق تماماً على بائعة الخمور، لأن القانون الدولي لحقوق الإنسان لا يسمح لشخص بإجبار شخص آخر إظهار دينه.

٣. التمييز بين الناس على أساس دينهم ومنع التعامل فيما بين المواطنين في الدولة الواحدة على هذا الأساس يفسد كل الجهود الرامية لردم الهوة في مجال المواطنة وعدم التمييز على أي أساس. فقانون الأحوال الشخصية يمنع الزواج بين الرجل غير المسلم والمرأة المسلمة، ولكن يجيز بين الرجل المسلم والمرأة غير المسلمة، وهو تمييز واضح. ولكن بموجب هذا التعديلات ستجد المرأة غير المسلمة نفسها معرضة لخطر السجن لمدة عام إذا أعدت خمراً لزوجها المسلم. وهذا ما يقود الإنتهاكات للأسوأ. فمبدأ التطور في مجال حقوق الإنسان والحريات الدينية يقتضي أن نلغي أي قيود الزواج المختلط، لا أن نضع مزيداً من القيود.

ثمثيل المتهم أمام المحكمة

 هذا النوع من القضايا تنظره المحكمة بصورة إيجازية عادة، إذا ذكر المتهم أنه غير مذنب، وعادة مت تنتهي في وقت وجيز ويُحرم فيها المتهم من حقه في الاستعانة بمحامي إذا لم يكن ملماً بحقوقه؛ مما يعني أن يتأكد محامي الدفاع أن موكله ملم بحقوقه ويُصر على حضور محاميه في الجلسة، كما يتوجب عليه أن يكون مستعداً لإجراءات المحاكمة التي قد تنعقد في مدة وجيزة وقبل الاخطار الكافي.

أخيراً، لا سيما حالة الإدانة، يجب أن يطلب المحامي صورة من القرار بعد النطق بالحكم  مباشرة بغرض استئناف القرار، خصوصاً أن المحكمة في معظم الدعاوى الإيجازية تُصدر قراراً واحداً لأكثر من مدان.