زواج القاصرات

أعدت هذه المقالة لمساعدة المحامين الذين يدافعون عن حقوق الطفلة المتزوجة قبل بلوغها سن الثامنة عشرة وفقا لقانون الأحوال الشخصية للمسلمين لسنة ١٩٩١ المبني على أحكام الفقه الإسلامي، أو وفق تقاليد بعض مناطق السودان التي تتبنى نفس الأعراف.  وتهدف المقالة، على وجه الخصوص، لتوضيح الإجراءات اللازمة، الني التي يمكن للمحامين اتباعها في حالات الزواج الذي تكون طرفاً فيه طفلة دون سن الثامنة عشرة؛ كما تهدف لتسليط الضوء على حقوق الطفل المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية والاتفاقيات الإقليمية والدولية التي تحظر ذلك الزواج.

مقدمة

تعد ظاهرة زواج الطفلات من الظواهر المنتشرة في المجتمعات السودانية، وتجد هذه الظاهرة دعماً في المذاهب الإسلامية السنية الأربع (المالكي والشافعي والحنفي والحنبلي) التي تسمح بزواج الأطفال دون سن الثامنة عشرة. وجدت هذه المذاهب طريقها إلى النظام القانوني السوداني، حيث يسمح قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعام ١٩٩١ بزواج الطفلات القاصرات ابتداء من سن العاشرة، وقد أجاز المشرع السوداني مثل هذا الزواج بسبب مصلحة راجحة وفقاً لنص المادة ٤٠ من القانون.

وقد نصت المادة ٢ من القانون الجنائي لعام ١٩٩١ على ألا يعتد بالرضا الذي يصدر من شخص غير بالغ. والبالغ، كما عرفه القانون الجنائي، هو الشخص الذي ثبت بلوغه الحلم بالأمارات الطبيعية القاطعة وكان قد أكمل الخامسة عشر من عمره. إلا أن قانون الطفل لسنة ٢٠١٠، حدد سن البلوع بإكمال الثامنة عشر. وعليه فان كل من لم يتجاوز سن الثامنة عشر يُعبر طفلاً.

وبحسب المادة ٦ من قانون تفسير القوانين لسنة ١٩٧٤، تسود أحكام القانون اللاحق على القانون السابق بالقدر الذي يزيل التعارض بينهما، كما تسود نصوص القانون الخاص على العام، حال التعارض. وعليه، وبما أن قانون الطفل قانون خاص، بينما القانون الجنائي قانون عام، وهو كذلك لاحق للقانون الجنائي، فان قانون الطفل هو القانون الواجب التطبيق.

  وعلى هدىً من ذلك، فان زواج الطفلات ينطبق عليه نص المادة ٤٥ من قانون الطفل   بوصفه اغتصاباً.

فأي أي اتصال جنسي مع شخص دون سن الثامنة عشرة يعتبر اغتصابًا أو تحرشًا جنسيًا، بينما لا يعتبر قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعام ١٩٩١ مثل هذه الممارسة الجنسية جريمة، بل يقرها عبر سماحه بزواج الطفلات القاصرات كما أسلفنا.

 تستند هذه الممارسة، زواج الطفلات القاصرات، على أساس ديني فالنبي محمّد (ص) تزوج من السيدة عائشة وهي في السادسة من عمرها كما تشير بعض الأحاديث. ويمثل هذا الأساس الديني السبب الرئيسي الذي يشجع المجتمعات على إقرار هذا النوع من زواج القاصرات تيمناً بالرسول محمّد واقتداءً بمنهجه؛ وهو أيضا سبب إجازة المشرع لزواج الطفلات القاصرات في القانون.

 

الخطوة الأولى: مقابلة الضحية وجمع البيانات الأولية

لزواج القاصرات تعقيدات قانونية يصعب معها التخلص من هذه الممارسة عبر الإجراءات القانونية فحسب، دون الاهتمام بالدور التوعوي الذي يجب أن يتدافع نحوه كل المهتمين بحقوق الطفل. فكما ذكرنا آنفاً، فان الممارسة الجنسية مع طفل لم يبلغ سن الثامنة عشر تُعد جريمة، سواء كانت الاغتصاب أو التحرش الجنسي، وكلاهما من الجرائم التي يتعلق بها حق عام ويجوز فيها التبليغ لأي شخص وفقاً لنص المادة ٣٤/١ من قانون الإجراءات الجنائية، إلا أن البلاغ لن يصمد، ذلك أن إجراءات الزواج تمت بصورة سليمة وفقاً لقانون الأحوال الشخصية للمسلمين، المستمد من الشريعة الإسلامية وبالتالي سيكون الشطب مصير البلاغ. أما دعوى إبطال الزواج، فهي دعوى لا ترفع الا من ذوي الطفلة ومن تربطهم بها علاقة (الوصي أو ولي الخصومة الذي تعينه المحكمة) لذا، فان أسرة الطفلة هي من عليها السعي لإبطال زواج القاصرة، وهذا ما ندر.

في حالة تزويج فتاة تحت سن الثامنة عشر، من الضروري البدء بلقاء أحد أقاربها الذين لا يدعمون زواجها انطلاقاً من عدم قبولهم لزواج الطفلات ليكون أحدهم مدعياً أمام المحكمة، وعبر هؤلاء الأقارب يتم أخذ البيانات المتعلقة بالاسم الكامل للطفلة واسم والدتها واسم والدها، أو اسم ولي أمرها إذا كان والدها متوفياً أو غائباً، وعمرها من خلال شهادة الميلاد، أو شهادة الشهود إذا لم تحصل على شهادة ميلادها، وفي هذه الحالة يجب عرضها على الطبيب بعد رفع القضية أمام محكمة الأحوال الشخصية كما سنوضح لاحقًا. ثم يجب على المحامي التحقق ما إذا كان زوج الطفلة قد حصل على إذن من المحكمة بهذا الزواج أم لا؟ وإذا كان قد حصل على إذن من المحكمة، فمن هم الأشخاص الذين حقق معهم القاضي للحصول على الإذن؟ وما هي الأسباب التي استند عليها القاضي في منح الإذن؟ من المهم أيضاً أن يحصل المحامي على المعلومات المتعلقة بالزوج: اسمه ومهنته وعنوانه وعمره. أما إذا اتضح من المقابلة أن الطفلة لم تبلغ العاشرة من عمرها، فلا بد من التحقق من الشخص الذي عقد الزواج نيابة عن الطفلة، والمأذون، بالإضافة إلى كل المعلومات تمت الإشارة إليها سابقاً.

الخطوة الثانية: الحقائق والتحليل القانوني

أشرنا فيما تقدم أن قانون الأحوال الشخصية للمسلمين المبني على مذاهب الفقه الإسلامي يبيح في المادة ٤٠ منه زواج الطفلات ابتداء من سن العاشرة بشرطين:

الشرط الأول: وجود مصلحة تفضيلية متوقعة من إبرام عقد الزواج.

الشرط الثاني: الحصول على إذن من المحكمة بإبرام عقد الزواج.

وبالتالي، عندما يتبين من الوقائع المذكورة في المقابلة الموضحة في الخطوة الأولى أن الطفلة بلغت سن العاشرة فيجب التحقق فورًا عما إذا كانت المحكمة قد منحت إذن بالزواج منها أم لا؟ ولكن إذا كان عمر الطفلة أقل من عشر سنوات فلا حاجة للبحث عن إذن المحكمة، ويجب رفع دعوى قضائية لإبطال عقد الزواج مباشرة كما سنوضح في الخطوة الثالثة.

من المهم هنا أن نوضح أنه يجب على المحامي مناهضة زواج الصغيرات في جميع الأحوال سواء كانت دون العاشرة أو بعدها؛ إلا أن عليه أيضاً أن يميز النواحي الإجرائية بين الحالتين؛ وأن يميز في حالة الزواج بعد العاشرة بين الحالات التي تم فيها الحصول على إذن المحكمة من الحالات التي لم يتم فيها الحصول على هذا الإذن، والإجراءات التي يجب عليها اتباعها في كل حالة. وأهمية هذا التمييز تكمن في اختلاف الإجراءات الواجب اتباعها في كل حالة إذ يتسبب عدم اتخاذ الإجراء المناسب للحالة المحددة في ضياع الدعوى وربما ضياع الحق.

وسنشرح أدناه الإجراءات اللازم اتباعها في كل حالة عند بدء دعوى قضائية لـ (ابطال) أو (فسخ) عقد الزواج.

 

الخطوة الثالثة: إجراءات رفع الدعوى

يخضع قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعام ١٩٩١، من حيث الإجراءات، للقواعد العامة لقانون الإجراءات المدنية لعام ١٩٨٣، وعلى وجه الخصوص للقواعد الواردة في الجدول الثالث الملحق بقانون الإجراءات المدنية. في هذه الخطوة سنصف أربعة أنواع من الإجراءات المتعلقة برفع دعوى (ابطال) أو (فسخ) عقد الزواج، وهي: مكان إقامة الدعوى، نوع الدعوى، من يحق له رفع الدعوى؟ ومن هو الذي ترفع الدعوى عليه؟

١. مكان إقامة الدعوى:

في قضايا الأحوال الشخصية ترفع الدعوى في محل إقامة الزوجة سواء كانت مدعية أو مدعى عليها وفق أحكام قانون الإجراءات المدنية لعام ١٩٨٣. في حالة الزواج من طفلة لم تبلغ الثامنة عشرة من عمرها، ويمثل الطفلة ولي للخصومة تعينه المحكمة فقاً لنص المادة ١١٦ من قانون الإجراءات المدنية لسنة ١٩٨٣، كما يُعتبر الوصي المُعين بواسطة محكمة مختصة ولياً للخصومة ما لم تأمر المحكمة بخلاف ذلك وفقاً لنص المادة ١١٧ من ذات القانون، وحسناً فعل المشرع ذلك أن الزواج ما كان ليتم دون مباركته، في غالب الأحيان، ومن ثم يجب رفع القضية أمام المحكمة المختصة في المنطقة التي تقيم فيها.

 

٢. نوع الدعوى:

إذا تبين من خلال المستندات وأقوال الشهود أثناء المقابلة المبينة في الخطوة الأولى أن الفتاة المتزوجة قد أكملت سن العاشرة ولم تبلغ الثامنة عشرة وقت إبرام عقد الزواج، فيجب رفع دعوى لـ (فسخ) عقد الزواج، ويتم الفصل فيها إذا تم عقد الزواج بإذن من المحكمة أو بدون إذن من المحكمة.

أما إذا تبين من المستندات أو إفادات الشهود أن الطفلة المتزوجة لم تكمل سن العاشرة، فيجب رفع دعوى قضائية لـ (إبطال) الزواج، نظرًا لأن القانون لا يسمح بهذا الزواج على الإطلاق.

٣ من يحق له رفع الدعوى؟

ترفع الدعوى سواء كانت (فسخ) أو (إبطال) لعقد الزواج من قبل ولي الخصومة، وعلى المحامي أن يوضح في عرضيته (ولي الخصومة) وفق أحكام الإجراءات المدنية لقانون عام ١٩٨٣، حيث يكون ولي النزاع أو الخصومة أحد أولياء الطفلة أو أقاربها بشرط ألا يكون هو نفس الشخص الذي أبرم عقد الزواج. ومع ذلك، إذا لم يجد المحامي من يرغب في أن يكون ولياً للنزاع أو الخصومة عن الطفل، فيجوز للمحامي تقديم طلب إلى المحكمة لتعيين وصي للنزاع من غير أقاربها، حفاظًا على مصلحة الطفلة في حال تعارض مصلحتها الشخصية مع مصالح والديها أو أقاربها.

٤. من الذي تقام ضده الدعوى؟

ترفع دعوى (فسخ) أو (إبطال) الزواج على الزوج بصفته المدعى عليه الأول، ويكون الشخص الذي أبرم عقد زواجها مدعىًّ عليه ثانيًا، سواء أبرم عقد الزواج من قبل والدها أو أحد أولياءها حسب ترتيب الميراث المحدد بموجب قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعام ١٩٩١.

ويمثل المحامي الطفلة كوكيل قانوني بموجب الوكالة القانونية الممنوحة له بموجب أحكام قانون المحاماة لعام 1983، ولكن لا يحق له المثول نيابة عنها كوصي خاص. ويجب أن يستخدم المحامي مهاراته القانونية والتقنية لتقديم قضية متماسكة وقوية، وهدفه النهائي هو (إبطال) الزواج أو (فسخه) وفقًا لوقائع ومستندات القضية. كما يجب أن يعتمد المحامي في دعواه وحججه على الدستور والاتفاقيات الإقليمية والدولية التي تحظر زواج الأطفال دون سن الثامنة عشرة.

الخطوة الرابعة: استئناف القرارات التي تؤثر على مصالح الطفلة:

إذا لم يكن قرار المحكمة في مصلحة الطفلة فيجب على المحامي استئناف القرار أمام محكمة الاستئناف في غضون (١٥) يومًا من تاريخ القرار. أما إذا أيدت محكمة الاستئناف قرار المحكمة الابتدائية فيجب استئناف قرارها أمام المحكمة العليا، ثم أمام دائرة المراجعة بالمحكمة العليا. وبعد استنفاد كافة التظلمات المتاحة، يجب على المحامي رفع دعوى دستورية إلى المحكمة الدستورية لطلب إعلان عدم دستورية المادة (٤٠) من قانون الأحوال الشخصية للمسلمين.