فتوى مجمع الفقه الإسلامي بإجازة العمليات الانتحارية بواسطة المجاهدين

يهدف هذا المقال لتبصير المحامين بالمؤسسات الدينية التي تصدر فتاوى تجيز القتل خارج إطار القانون لأسباب دينية وذلك حتى يستطيع المحامي الاطلاع بدوره في التصدي لظاهرة التطرف بالطرق القانونية لحماية الحق في الحياة وعدم التمييز ضد الآخرين بسبب دينهم.

سنتناول في هذا المقال خلفية عن مجمع الفقه الإسلامي وسنتعرض لبعض الفتاوى التي يصدرها فيما يتعلق بالقتل والتكفير وما يمس حقوق الأقليات أو الطوائف. بعد ذلك سيقترح المقال ما يمكن اتخاذه من إجراءات قانونية لمواجهة هذا النوع من الفتاوى. وبما أننا لم نقف على تجربة قانونية عملية في التصدي لهذا النوع من التطرف فستكون هذه المقترحات بمثابة فتح باب للنقاش بغرض الوصول للوسيلة القانونية المثلى لمواجهة هذه الفتاوى المتطرفة.

مقدمة

أنشأت الدولة مؤسسة دينية حكومية تمثل الدين الرسمي للدولة، بمعنى أنها الجهة الوحيدة المخولة بتفسير الدين وإصدار الفتاوى، كما لها الحق في تحديد المسلم من غير المسلم والطوائف الضالة عن طريق الإسلام الصحيح، أو بصورة أدق، الإسلام الرسمي كما يفهمه علماء مجمع الفقه الإسلامي.

نشأ مجمع الفقه الاسلامي في السودان بقانون أجازه المجلس الوطني في العام ١٩٩٨، وأصبح بذلك وريثاً لمجلس الإفتاء الشرعي الذي كان قائماً بهذه الوظيفة في إطار محدود، ولكنه كان ايضاً نمطاً من الفتاوى الجماعية الصادرة عن مجلس لا عن شخص واحد كما هو الحال في نظام المفتي الذي تعمل به كثير من البلدان، وكان معمولاً به في السودان. والمجمع مكون من أربعين شخصاً ويمثل المؤسسة الدينية الرسمية للدولة، ويصدر المجمع الفتاوى والتوجيهات والتوصيات في أي من المسائل شريطة ألا تكون معروضة أمام المحاكم المختصة أو فصلت فيها المحاكم.

أهداف مجمع الفقه الإسلامي وإختصاصاته

حدد قانون مجمع الفقه الإسلامي لسنة ١٩٩٨ جملة من الأهداف والاختصاصات نورد منها ما يلي:

  • وضع استراتيجية شاملة لحركة التأصيل الفقهي بالبلاد.
  • تطوير البحث العلمي وترقيته برؤية إسلامية، وبما يلائم الأصل والعصر.
  • التنظيم والإشراف على اللقاءات العلمية المختلفة (مؤتمرات، ندوات، حلقات حوار… إلخ).
  • متابعة الظواهر الفكرية والثقافية والاجتماعية.
  • تأسيس ورعاية الجهود المؤدية إلى إحياء فريضة الاجتهاد، والاجتهاد الجماعي الفقهي على وجه الخصوص.
  • توفير الخيارات الفقهية الأمثل، والمبادرة بتقديم المقترحات التي يراها المجمع مناسبة لأجهزة الدولة، بموافقة الأمين العام.

ويتضح من هذه الأهداف والاختصاصات أنها دعوة لاعتماد توجه فقهي معين باعتباره التفسير الصحيح للدين. وقد سار المجمع في هذا الاتجاه الأصولي، فدعا إلى محاربة طائفة الشيعة، كما أصدر جملة من الفتاوى قصد بها الحد من ظاهرة التصوف الإسلامي الشائعة في السودان. فعلى سبيل المثال أصدر مجمع الفقه الإسلامي فتوى تحرم الذِكر الجماعي (طريقة معروفة للتعبد عند الصوفية). كما نشر مجموعة من البحوث حرمت بعض الأفعال والأقوال التي يتعامل بها الصوفية في عباداتهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نشر المجمع تلخيصاً لتعقيبات الألوسي على أقوال وأفعال المتصوفة، وذلك بمجلة مجمع الفقه الإسلامي (العدد السادس ٢٠١١).

 وكما بينا أعلاه، فمن أهداف المجمع متابعة الظواهر الفكرية والثقافية والاجتماعية وقد أثبتت التجربة العملية أن قضايا كثيرة أُحيلت لمجمع الفقه الإسلامي بهدف التأكد من سلامة أفكار الطوائف الدينية ومطابقتها لمنهج الإسلام الصحيح. مثلاً أُحيلت قضية طائفة القرآنيين بمحكمة النصر بالخرطوم لمجمع الفقه الإسلام لمناقشة أفراد الطائفة وصدهم عن منهجهم الفكري. كما انتدبت محكمة الحاج يوسف بالخرطوم بحري عضواً من المجمع لمناقشة السيدة مريم يحيى بغرض ردها عن دينها، وأفسحت المحكمة لعضو المجمع مجالاً واسعاً للحديث معها. ومن ناحية ثانية قام جهاز الأمن والمخابرات الوطني بالقبض على العديد من الأشخاص الذين ينتمون لطوائف معينة أو لديهم أفكار أو قراءات مختلفة للنص القرآني أو الحديث وأحال العديد منهم لمجمع الفقه الإسلامي، وهذا ما يوضح بجلاء أن المجمع يمثل توجهاً أحادياً يسعى لنشر وفرض المنهج الأصولي السلفي دون غيره.

فتوى القتل خارج إطار القانون

من هذا المنطلق السلفي بدأ مجمع الفقه الإسلامي في إصدار عدد من الفتاوى القائمة على التفرقة والتمييز ضد الآخرين بسبب دينهم أو بسبب الطائفة التي ينتمون لها، وفي هذا المقال سنتناول الفتوى بتأييد قتل الأبرياء في العمليات الانتحارية، والتي أصدرها المجمع مؤيداً فيها قتل من لا يقاتل لمجرد أنه كافر. ونص الفتوى كالآتي:

"ناقش المجمع مسألة العمليات الاستشهادية ودار حوار حول المسائل التي تشتمل عليها القضية، ومنها قتل من لا يقاتل من الصبيان والنساء ومنها أن يقدم المرء على قتل نفسه، لينكي عدو الاسلام، وقد أصدر المجمع فتواه في هذه المسألة على النحو التالي: ففي اجتماع رؤساء ومقرري دوائر المجمع الذي انعقد في مساء يوم الثلاثاء (١٥ صفر ١٤٢٢ هـ ـ ٨/٥/٢٠٠١) بمقر المجمع بالخرطوم، صدرت الفتوى الخاصة بحكم العمليات الفدائية والاستشهادية، ونصها ما يلي: الاصل أن كل ما يفعله المجاهد بقصد إغاظة العدو والنيل منه من الإحسان المستحب، وأن كل ما يرهب أعداء الله ورسوله والمسلمين مطلوب. فمن كان قاصداً الاثخان في العدو، والنيل منه، واغاظته، وإرهابه، مبتغياً وجه الله تعالى ومرضاته، فهجم على عدو كثير أو ألقى بنفسه فيهم ولو غلب على ظنه أو تيقن أنه مقتول او ميت، فهذا جهاد وعمل استشهادي مشروع قام عليه الدليل الشرعي وفهمه الصحابة والسلف رضي الله عنهم وعملوا به. وفيه تتحقق مصالح عظيمة له وللأمة منها:

 ١.  أنه طلب للشهادة،

٢. أنه يجرئ المسلمين على العدو ويحرضهم،

٣.  أنه فيه النكاية بالعدو،

٤. أنه يضعف نفوس الأعداء فيروا أن هذا صنيع واحد منهم، فكيف جميعهم".

فهذه الفتوى تؤيد قتل الأبرياء بمن فيهم الأطفال والنساء بناءً على أن من يراد قتله عدو الإسلام، وذلك بدون أدنى اجتهاد لتعريف عبارة "عدو الإسلام"، وهذا ما سيفتح الباب واسعاً أمام كل شخص يرغب في قتل عدو بناءً على تعريفه الخاص. أما أخطر ما تضمنته الفتوى هو منح صك الإباحة لقتل إنسان خارج إطار القانون حتى لو لم يكن من الأطفال أو من النساء. وفي هذا الحال يتقاطع دور مؤسسة الدولة في انتهاك مبادئ حقوق الإنسان مع دور الأشخاص خارج مؤسسة الدولة في انتهاك هذه الحقوق. ومن ثم فإن الدولة تكون قد وفرت الغطاء الديني لتنفيذ العمليات الإرهابية بواسطة أشخاص خارج مؤسساتها.

ولكن السؤال المهم هو إلى أي مدى يمكن أن توفر هذه الفتوى مسوغاً قانونياً للقتل خارج إطار القانون؟

مما لا شك فيه، أن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان تحظر التمييز ضد الآخرين على أي أساس كان، كما تحظر القتل خارج إطار القانون. فطبقاً لوثيقة الحقوق في الفصل الرابع عشر من الوثيقة الدستورية، وكذلك المادة ٢ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادتين ٢ و٢٦ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وعملاً بالعديد من إعلانات واتفاقيات الأمم المتحدة الأخرى، يحق لكل إنسان أن يتمتع بالحق في الحياة دون تفرقة أو تمييز من أي نوع، ويُكفل لجميع الأشخاص الوصول الفعال وعلى قدم المساواة إلى سبل الانتصاف من انتهاك هذا الحق. وعلاوة على ذلك، تنص المادة ٤/٢ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على عدم جواز التذرع بالظروف الاستثنائية، مثل عدم الاستقرار الداخلي أو أية حالة طوارئ عامة أخرى، لتبرير أي انتقاص من حق الفرد في الحياة وأمنه الشخصي.

ومن ناحية القوانين الوطنية، فإن القانون الجنائي حدد أسباباً معينة لإباحة القتل كالحق في الدفاع عن النفس أو فعل الصغير دون السابعة أو فعل المجنون ... إلخ. ولكن ليس من بينها الأخذ برأي مؤسسة دينية كمجمع الفقه الإسلامي. ومع ذلك فقد أثبتت الممارسة العملية أن المحاكم السودانية اعتبرت عدداً من الاغتيالات التي حدثت في أماكن متفرقة أفعالاً مشروعة بل واستندت عليها في إصدار حكمها في مواجهة شخص متهم بالردة. (راجع مقال انتهاكات الحرية الدينية من قبل الجهات الغير رسمية).  كما مثلت هذه الفتوى أساساً لجرائم الأجهزة الأمنية التي وجد قادتها مبرراً لتصفية خصومهم. لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار هذه الفتوى أو الممارسة العملية لعدد من المحاكم، مسوغاً قانونياً للتمييز ضد الآخرين واعتبارهم أعداءً ومن ثم يجوز قتلهم خارج إطار القانون.

والحال كذلك، يبرز السؤال الثاني حول مدى مسئولية مؤسسة دينية كمجمع الفقه الإسلامي عن تصرف شخص بناءً على هذه الفتوى؟

تنتشر هذه الفتاوى بكثرة ومن مؤسسات وجماعات دينية مختلفة في الشرق الأوسط، وقد استند عليها الكثيرون في تنفيذ عمليات إرهابية أو قتل فرد استنادا على أن الفعل قُصد به التقرب إلى الله. ففي أثناء محاكمة قاتل الكاتب والمفكر المصري فرج فودة الذي قتل ضرباً بالنار، وصف القاتل فودة "بالمرتد" “وأنه "مرتد وجب قتله"؛ وأفتى بجواز أن يقوم أفراد الأمة بإقامة الحدود عند تعطيلها، وإن كان هذا افتاتا على حق السلطة، ولكن ليس عليه عقوبة. وهذا يعني أنه لا يجوز قتل من قتل فرج فودة حسب تعبيره. ولكن عند سؤاله عما إذا كان قد قرأ كتب المفكر فرج فودة، أفاد بأنه لم يقرأها وإنما استند في إهدار دمه على فتاوى صدرت من مؤسسات دينية ورجال دين.

وبالتالي فإن لمثل هذه الفتاوى أثرها على قطاع عريض من الناس ومن ثم يجب أن تكون هناك مساءلة جنائية لمن يصدرون هذا النوع من الفتاوى سواءً كانوا أفراداً أو جماعات أو مؤسسات معترف بها من قبل الدولة. فالمادة الثالثة من القانون الجنائي لسنة ١٩٩١ تعرف كلمة "شخص" بأنها تشمل الشخص الطبيعي وكل شركة أو جمعية أو مجموعة من الأشخاص، سواء كانت ذات شخصية اعتبارية أم لم تكن. وبناءً على هذا التعريف تعتبر المؤسسات ذات الشخصية الاعتبارية كمجمع الفقه الإسلامي في موضوعنا هذا أو غيرها من الجماعات ولو لم لها شخصية اعتبارية، مسئولة مسؤولية جنائية كاملة عن أي فعل مخالف للقانون يبدر منها.

وننتقل للجزئية الأخيرة وهي التكييف القانوني للفتاوى التي تبيح القتل خارج إطار القانون. فوفقاً لنص المادة ٢٥ من القانون الجنائي السوداني لسنة ١٩٩١، يندرج هذا النوع من الفتاوى تحت طائلة التحريض على ارتكاب الجريمة.

وبالتالي فإن عبارات من شاكلة: "كل ما يفعله المجاهد بقصد إغاظة العدو والنيل منه من الإحسان المستحب"، و "أن كل ما يرهب أعداء الله ورسوله والمسلمين مطلوب" و "أنه طلب للشهادة" وغير ذلك من العبارات التي وردت في متن الفتوى، لا بد أن لها أثر في البعض وفيها إغراء بارتكاب هذا الفعل. وبالتالي فهي تحريض يُسأل عنه من أصدر الفتوى سواءً كان فرداً أو مؤسسة كمجمع الفقه الإسلامي.