مضايقة الطوائف الدينية

يهدف هذا المقال لتوضيح المضايقات التي يتعرض لها أفراد الطوائف الدينية من قبل أجهزة الدولة الرسمية، ونحاول الوقوف على مسافة واحدة من هذه الطوائف بما فيها الطائفة التي تتبناها الدولة باعتبارها الدين الرسمي للدولة والذي يجب أن يسير على نهجه المسلمون جميعاً.

ويهدف المقال على وجه الخصوص لتوضيح الإجراءات اللازمة التي يجب على المحامي إتباعها في حالة توليه الدفاع عن شخص أو طائفة تعرضت للمضايقة، وتعريفه بالدستور والمواثيق الإقليمية والدولية التي يجب الاستناد عليها في مناهضة القوانين أو السياسات التي تؤدي لهذه الأفعال، وكيفية كتابة المذكرات القانونية في مختلف مراحل التقاضي.

مقدمة

قامت الدولة الثيوقراطية في السودان على منهج الإخوان المسلمين الذي فرضه النظام البائد في العام ١٩٨٩، والذي ما زالت آثاره باقية حتى الآن ممثلاً في النظام القانوني الذي ورثته حكومة ما بعد الثورة وكذلك ممثلاً في المؤسسات الدينية الرسمية. فالنظام القانوني مبني على المنهج الأصولي السلفي الذي يتبنى سياسة إقصائية تعتبر كل الطوائف الأخرى خارجة عن ملة الإسلام. ومن أكثر الطوائف التي تعرضت للمضايقة هي طائفة الاخوان الجمهوريين التي أُجبر عددٌ من أفرادها على التخلي عن فكرهم أو منهجهم في فهم القرآن الكريم والسنة، كما صودرت جميع كتبهم بأمر محكمة الاستئناف بتاريخ ١٥ يناير ١٩٨٥.

في يناير من العام ٢٠١٥، أجاز المجلس الوطني تعديلات على القانون الجنائي لسنة ١٩٩١، وكان للمادتين ١٢٥و١٢٦ حظاً وافراً من التشدد والغلوّ.

تنص المادة ١٢٥ من القانون الجنائي على الآتي: (من يسب علناً أو يُهين، بأي طريقة أياً من الأديان أو شعائرها أو معتقداتها أو مقدساتها أو يعمل على إثارة شعور الاحتقار والزراية بمعتنقيها، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز ستة أشهر أو بالغرامة أو بالجلد بما لا يجاوز أربعين جلدة.)

أبقي التعديل على هذا النص وأضاف إليه بندان آخران يجرمان سب النبي والطعن فيه (البند ٢) وسب صحابته أو زوجاته أو آل بيته (البند ٣)، ويعاقب مرتكب أي من هذه الأفعال بالسجن مدة لا تجاوز خمس سنوات والجلد ٤٠ جلدة، والسجن عشر سنوات والجلد ٨٠ جلدة عند ارتكاب الفعل للمرة الثالثة.

وتكمن المفارقة في أن عقوبة من يسب أو يهين أياً من الأديان أو يحتقرها السجن ستة أشهر وفقاً لنص المادة الأصلي والذي أصبح البند (١) بعد التعديل، بينما يعاقب من يسب النبي والصحابة بالسجن خمس سنوات وقد تمتد لعشر سنوات في المرة الثالثة.

في العام ٢٠٢٠، تم تعديل المادة مرةً أخرى وأُلغيت عقوبة الجلد، كما تمت إضافة "كريم المعتقدات".

وجاء تعديل المادة ١٢٦ على النحو التالي:

1/ يعد مرتكباً جريمة الردة كل مسلم:

أ/ يروج للخروج من ملة الإسلام أو يجاهر بالخروج عنها بقول صريح أو بفعل قاطع الدلالة،

ب/ يطعن أو يسب سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم علناً بأي طريقة،

ج/ يطعن في القرآن الكريم بالتناقض أو التحريف أو غير ذلك،

د/ يكفِّر أصحاب سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ساداتهم أبابكر أو عمر أو عثمان أو علي مستحلاً ذلك،

هـ/ يطعن في أم المؤمنين عائشة فيما برأها منه القرآن.

فأضاف التعديل خمس حالات أخرى لجريمة الردة وشدد عقوبتها لكونها لا تسقط في بعض الحالات بمجرد التوبة. كما أن الحكم بارتداد من يكفّر الصحابة إجمالاً ومعاقبته بالإعدام أو معاقبة من يسبهم أو يطعن فيهم بالسجن خمس إلى عشر سنوات مع الجلد يعكس توجه الدولة في محاربة طائفة الشيعة بالسودان، غير أن هذا النص كان فخاً منصوباً لكل من يقترب من مناقشة التاريخ الإسلامي بطريقة أو بأخرى، إذ لم يكن ممكناً، على سبيل المثال، الطعن في شخصية أبي هريرة وطريقة روايته للأحاديث والإدعاءبإختلاقه للكثير منها كما يرى مفكرون وأتباع طوائف أخرى، لأن كلمة "يطعن" كلمة فضفاضة لم يصحبها تفسير. كما لم يكن بالإمكان الطعن في تصرفات معاوية بن أبي سفيان أو عبد الله بن أبي السرح عندما فتح بلاد النوبة على سبيل المثال، إذ بذلك يصبح الشخص مرتكباً لجريمة الطعن في الصحابة. ومن خلال ما دار من أحداث سياسية في أعقاب العام ٢٠١٣، لا يتسع المقال لسردها، بدا أن الهدف من هذه التعديلات هو استهداف طائفة الشيعة والتضييق عليها كتوجه سياسي جديد لحكومة السودان، غير أن الصياغة الفضفاضة للنصوص المعدلة جعل منها شباكاً منصوبة للعديد من الأفراد والطوائف. وكان من تطبيقاتها العملية القضية التي أقيمت في مواجهة أحد الدعاة في العام ٢٠١٦ بعد أن ذكر عبارة بالعامية السودانية وهو يتحدث عن الرسول (ص) فتم تفسيرها على أنها لا تليق بمقام الرسول وتعتبر نوعاً من السب والطعن.

في العام ٢٠٢٠ تم إلغاء مادة الردة كليةً واستُبدلت بمادة أخرى.

الخطوة الأولى: مقابلة ضحايا الطوائف الدينية التي تتعرض لمضايقات

تعتبر المضايقات التي تحدث للطوائف الدينية من المسائل الحساسة خصوصاً إذا حدثت بواسطة مؤسسات الدولة الرسمية، لذلك يجب على المحامي أن يتوخى الحذر ويعطي الأولوية لسلامة أفراد الطائفة ولنفسه. وعند المقابلة على المحامي أن يسأل أفراد الطائفة أو ممثليهم عن الوقائع التي حدثت بالضبط وتاريخ حدوثها والآثار التي ترتبت عليها، ومعرفة رغبة الضحايا في التصدي للقضية والدفاع عن معتقداتهم وأفكارهم، أم أنه يخشى على نفسه المتطرفين. وكل ذلك بغرض تقييم المخاطر التي قد تواجه هؤلاء الضحايا سواءً في المحكمة أو خارجها. 

لقد تعرضت الطوائف الدينية المسلمة والمسيحية لأشكال مختلفة من المضايقات التي قصد منها إضعافها والحد من نشاطاتها بل تم تنفيذها بواسطة عدد كبير من مؤسسات الدولة، ومن أمثلة ذلك الخطة المُحكمة التي اشترك فيها جهاز الأمن والمخابرات بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشئون الدينية، والتي قامت عقب انفصال جنوب السودان بتعيين مجالس جديدة لعدد من الطوائف المسيحية، كالكنيسة المشيخية الإنجيلية، كنيسة المسيح، الكنيسة الخمسينية وغيرها؛ وقد كانت عضوية منتقاة بواسطة جهاز الأمن والمخابرات الوطني ووزارة الأوقاف والشئون الدينية قامت بإبرام عقود إيجار طويلة الأجل لعقارات الكنيسة واقتطعت مساحات شاسعة منها، كما قامت بالتصرف في عدد مقدر من العقارات والممتلكات في محاولة واضحة لهدمها تدريجياً.

وكثيراً ما تحدث صدامات بين الشرطة التي تنفذ هذه الأحكام بالقوة الجبرية وبين المؤمنين الرافضين لهدم كنائسهم، تنتج عنها بلاغات اعتراض موظف عام.

حالات أخرى لمضايقات الطوائف الدينية

  • في العام ٢٠١٨ قُدم سبعة وعشرون متهماً من جماعة القرآنيين للمحاكمة بتهمة الردة بغرض إجبارهم على التخلي عن توجهاتهم الفكرية كما تعرض عدد كبير منهم للملاحقة والمراقبة والاعتقالات التعسفية.
  • إغلاق جهاز الأمن والمخابرات الوطني الحسينيات الخاصة بطائفة الشيعة ومصادرة الكتب الموجودة فيها.
  • حظر توريد الكتاب المُقدس والكتب الخاصة بطائفة الشيعة وغيرها من الطوائف المستهدفة.
  • الاعتقال التعسفي لقيادات هذه الطوائف بصورة متكررة وبدون مسوغات قانونية واضحة.
  • فتح دعاوى متعلقة بأمن الدولة، كتقويض النظام الدستوري في مواجهة قيادات هذه الطوائف
  • حظر النشاطات الثقافية والاجتماعية لأعضاء هذه الطوائف الدينية وتعريضهم للمراقبة بصورة مستمرة.
  • حظر المدارس الكنسية من العمل يوم السبت (العطلة الأسبوعية يومي الجمعة والسبت) لإجبارها على العمل يوم الأحد، أو الاكتفاء بأربعة أيام دراسية، الأمر حد بالكثير من الطلاب ترك المدارس الكنسية.
  • اعتماد منهج دراسي تمييزي ضد غير المسلمين، وعدم تدريس أي ديانة في المدارس بخلاف الإسلام.

وبالتالي يتضح من خلال الأمثلة أن استهداف الطوائف الدينية يتم بأساليب وطرق متعددة لا تأخذ طابع القضية الدينية بصورة مباشرة وإنما بالتحايل على القوانين بغرض التحايل على مبادئ حقوق الإنسان بصورة عامة والحريات الدينية بصورة خاصة. لذلك نجد أنفسنا كمحامين ومدافعين عن الحريات الدينية أمام تعقيدات قانونية تم إعدادها خلف الأسوار وبقدر من الترتيب بغرض إضفاء صفة قانونية على الانتهاكات التي حدثت وللتستر على انتهاكات الحريات الدينية بادعاء أن القضايا لا تعدو أن تكون قضايا قانونية عادية، تتفاوت بين المدنية، الجنائية أو الإدارية.

الخطوة الثانية: كيفية التعامل مع هذه الانتهاكات

القضايا الجنائية

في حالة الاعتقالات التعسفية التي تتم دون فتح دعوى جنائية وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية لسنة ١٩٩١، والإجراء الأفضل يكون بتقديم طلب حق المثول أمام القاضي الطبيعي (Habeas Corpus) الي المحكمة الدستورية، خصوصاً إذا كان الاعتقال في ظروف غامضة أو يرجح فيها التعذيب أو أي انتهاك لحقوق الإنسان. ويقدم هذا الطلب بصورة مستعجلة في مواجهة الجهة التي نفذت الاعتقال التعسفي. أما إذا أحيل الشخص المعتقل للنيابة أو المحكمة فيتولى المحامون الدفاع وفقاً للإجراءات المعتادة مع التركيز في كل الأوقات على الطعن في صحة ومقبولية البينات التي تم التحصل عليها خلال فترة الاعتقالباعتبارها من قبيل البينات المتحصل عليها بإجراء غير صحيح. وفي حالة قبض المتهم وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية، أي بعد فتح الدعوى الجنائية فليزم إتباع الإجراءات المعتادة في الدفاع عن المتهم مع التأكيد على إثارة موضوع الحريات الدينية كلما كشفت القضية عن حقيقة الغرض من الملاحقة الجنائية ضد شخص أو أشخاص من طائفة محددة.

القضايا المدنية

القضايا المدنية تختلف كثيراً باختلاف وقائع كل قضية ومن ثم يصعب عملياً وضع تصور محدد للدفاع عن الطوائف الدينية التي تتعرض لأي نوع من الانتهاكات، كما أنها -الطوائف- تكون مُدعية في كثير من الأحيان، ولكن بصورة عامة يمكن التنبيه للآتي:

  • مراعاة عامل الزمن فورما تم العلم بالمخالفة القانونية المحددة واتخاذ الإجراء المبدئي اللازم لتفادي فوات المدة المقررة للإجراء، وذلك لأن قانون الإجراءات المدنية لسنة ١٩٨٣ يضع قيداً زمنياً لكل إجراء.
  • من الضروري أن يتم تكييف القضية تكييفاً قانونياً سليماً بغرض السير فيها وفق الإجراء السليم، فالمعلوم أن الحق قد يضيع بسبب خطأ إجرائي.
  • محاولة ربط وقائع كل قضية مع الهدف الخفي للجهة التي أقامت القضية أو ستقام الإجراءات في مواجهتها.
  • هذا النوع من القضايا- في معظم الأعيان- يستهلك الكثير من الوقت، بالإضافة للمنصرفات المالية، لذلك يجب أن يتأكد المحامي جهة الادعاء على دراية مُسبقة ومهيأة لهذا الأمر.

القضايا الإدارية

قد تتخذ إحدى المؤسسات الحكومية قراراً في مواجهة طائفة معينة بالحد من نشاطها أو إغلاق دور العبادة الخاصة بها أو غير ذلك من القرارات ذات الطابع الإداري، وبالتالي لا بد من مناهضة القرار الإداري لدى قاضي محكمة الاستئناف أو قاضي المحكمة وفقاً للإجراءات التي سنبينها فيما بعد. وعموماً هذه هي الموجهات الأساسية من حيث الموضوع ومن حيث الإجراء.

أولاً: من حيث الموضوع

يجب أن يتم ابتداءً تكييف العيب في القرار الإداري بعد دراسة الوقائع، بحيث لا يتعدى هذا التكييف الحالات الأربع التي نص عليها قانون القضاء الإداري لسنة ٢٠٠٥ في المادة السادسة منه، وهي:

 ١. عدم اختصاص الجهة التي أصدرته

٢. وجود عيب في الشكل

٣. مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه

٤. إساءة استعمال السلطة

بعد ذلك توضح العريضة السبب الذي تستند عليه من بين هذه الأسباب الأربع.

ثانياً: من حيث الإجراءات

ابتداءً، لا بد من استنفاد طرق التظلم المتاحة إدارياً في مدة لا تتجاوز الشهر بين كل تظلم وآخر، وبعد صدور القرار من أعلى جهة إدارية، فيجب إنذارالمحامي العام خلال ستين يوماً من تاريخ العلم بصدور القرار الإداري، وبمجرد أخذ الإذن أو انقضاء مدة شهرين من تاريخ تسليم الإنذار للمحامي العام، يجب تقديم العريضة للمحكمة خلال ستين يوماً من تاريخ العلم بالقرار الصادر من الجهة الإدارية. ولا تحتسب مدة إنذار النائب طبقاً لنص المادة ٥ القانون.

ويرفع الطعن إلى قاضي المحكمة العليا المختص في حالة القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية (مجلس السيادة حالياً) أو مجلس الوزراء أو أي وزيرقومي. ويرفع الطعن إلى قاضي محكمة الاستئناف المختص في أي قرار إداري صادر من سلطة عامة رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء وأي وزير قومي.